للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن مالك، وأحمد، ومن وافقهما كالشافعي في أحد قوليه، لما كانوا يوجبون الوفاء بنذر كل طاعة، سواء كان من جنسها ما هو واجب بالشرع، أو لم يكن، فمن نذر السفر إلى مسجد الرسول مقصوده الصلاة فيه، فعليه أن يوفي بنذره، ومن نذر السفر إلى المدينة، فهذا مجمل، قد يكون مقصوده الصلاة في مسجده، وقد يكون مقصوده زيارة أهل البقيع، أو شهداء أحد، أو زيارة مسجد قباء، أو بعض المزارات، أو مجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلهذا صرح هؤلاء بأنه لا يوفي بنذره، إلا إذا كان مقصوده الصلاة في مسجده، فمن قصد غير ذلك، من زيارة قبره، أو غير زيارة قبره، لم يوف بنذره. قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إَلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» وقال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» وإعمال المطي إلى غير المساجد أولى بالنهي.

فإذا كان مقصوده بإعمال المطي: زيارة (١) قبره، أو قبور أهل البقيع، أو شهداء أحد، أو مسجد قباء، فهو منهي عن هذا السفر، /٣٨أ/ وما كان منهيًّا عنه لم يكن قربة، فلا يجب بالنذر باتفاق المسلمين، لكن إذا نذر لله معصية: فهل عليه كفارة يمين؟ فيه قولان للعلماء مشهوران، وظاهر مذهب أحمد: أن عليه كفارة يمين، وكذلك مذهب أبي حنيفة، وطائفة من أصحاب الشافعي إذا قصد بالنذر اليمين، وظار مذهب الشافعي أنه لا شيء عليه، وهو مذهب مالك.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» أو «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ» هو نهي عن ذلك عند السلف، والعلماء المتقدمين، ما علمت بينهم نزاعًا أن هذا نهي عن السفر، وهو قول مالك، وأصحابه، والمتقدمين (٢) من أصحاب الشافعي، وأحمد، والصيغة نص في ذلك،


(١) في الأصل: (لزيارة) ، والتصويب من المحقق.
(٢) في الأصل: (والمتقدمون) ، والتصويب من المحقق.

<<  <   >  >>