فمنهم من يقول: يستقبل القبلة عند السّلام، ويكون عن يسار الحجرة، أو أمامها كما ينقل عن أبي حنيفة.
ومنهم من يقول: بل يستقبل الحجرة، وهؤلاء يقول كثير منهم: إنه يستدبر القبلة، ويستقبل الحجرة، فيأتيهم من جهة وجوههم، ويسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ينحرف قليلاً إلى جهة الشرق، فيسلم على أبي بكر، ثم ينحرف قليلاً فيسلم على عمر، وهذا إنما يجيء على قول من جعل ترتيبهم كدرج المنبر، وهؤلاء استحبوا هذا؛ لأن قصد التحية من جهة الوجه أحسن، وإذا سلّم عليهم من جهة الرؤوس، كما فعل ابن عمر، كان حسنًا، ويحصل الترتيب على قول من يقول باستواء الرؤوس.
ولما لم يكن معهم سنة عنه في التحية من خارج بيته، اضطربوا في الوقوف، وأما تحيته من داخل، فإنما كانت ممكنة من جهة القفا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قبره متصل بالجدار القبلي، فلم يمكن أحدًا /٣٢ب/ أن يقف هناك إذا دخل ويسلم عليه، وهذا مما قد يحتج به من يستقبل القبلة فيقول كما لو كان داخل الحجرة، لكن هذه حجة ضعيفة فإن مقتضى هذا أن يسلم عليه خلف الحجرة، وهذا لم يعلم به قائلاً.
وكان الصّحابة دائمًا يقصدون المدينة على عهد الخلفاء الراشدين، من الشام، والعراق، ومصر، واليمن، وغيرها، كما تقدم، ولم يشتهر عنهم أنهم كانوا إذا أتوا المسجد فصلّوا فيه، وسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم في الصّلاة، يذهبون بعد ذلك إلى قبره، وإنما روي هذا عن ابن عمر، أو عن غيره في قضايا معينة، ولو كان هذا عملاً معروفًا لعامة الصحابة القادمين، كالصلاة