للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آخر من كبارهم كان يقول: لا فرق بين قولك: يا حجر يا حجر، وبين قولك: يا حي يا قيوم، يعني أن المقصود بكليهما (١) جمع الهمّة، فهذا وأمثاله من أسرار هؤلاء المشركين.

ومن هؤلاء من يدعو بعض الكواكب، أو بعض الموتى من الأنبياء، والصالحين، أو بعض الملائكة، أو بعض الأوثان، فيرى صورًا، إما صورة بشر، وإما غير صورة بشر، فإنهم يرون أنواعًا من الصور تخاطبهم، وتقضي بعض حوائجهم، فيقولون: هذه روحانية الكوكب، أو سر الشيخ، أو رفيقته، أو نحو ذلك، وإنما ذلك شيطان يضلهم كما /٥٩ب/ كانت الشياطين تضل عبّاد الأوثان، وإلى اليوم، وكانت الشياطين تكلمهم أحيانًا من الأصنام، وأحيانًا يرونها، قال ابن عباس رضي الله عنه: في كل صنم شيطان يتراءى (٢) للسدنة فيتكلمون. وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: مع كل صنم جنيّة.

وهذا باب واسع، وكل من كان به أعرف، إذا عرف ما جاءت به الرسل، وعرف ما في القرآن من التوحيد العظيم، والعناية العظيمة بذلك، ومذمة الشرك على اختلاف أنواعه؛ عرف بعض قدر ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وتبين له كثرة الشرك في بني آدم، الذين لا يعرفون، بل يظنون أن العرب كانوا يعتقدون في آلهتهم أنها شاركت الله في الخلق، وهذا من غاية الجهل والكذب بمن يظنه بهم، وذلك لأن الشرك الذي كانوا فيه قد وقع هو وأمثاله في نوع منه، وهو لا يعرف أنه الشرك، يعتقد أن التوحيد هو الإقرار بأن الله خالق كل شيء، لم يشاركه في الخلق أحد، فهذا عنده


(١) في الأصل: (بكلاهما) ، والتصويب من المحقق.
(٢) في الأصل: (يترايا) ، والتصويب من المحقق.

<<  <   >  >>