للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثلاثة: لا تجب بالنذر، فلا يكون مستحبًّا، هذا معنى الحديث عندهم.

وأما أولئك الذين يقولون إنه منهي عنه، فمن قال: إن السفر المنهي عنه لا تقصر الصلاة فيه، فإنه لا تقصر الصلاة في مثل هذا، كما صرح بذلك من صرح به منهم، مثل ابن عقيل، وغيره، وكل من يوافقه على الأصلين يوفقه على ذلك، فأصحاب مالك، والشافعي، الذين يوافقونه على أن هذا محرم، وعلى أن المحرم لا تقصر فيه الصلاة، يوافقونه على أنه لا تقصر فيه الصلاة.

والصحيح قول السلف والجمهور، وأن هذا نهي منه صلى الله عليه وسلم وذلك أن الصيغة صيغة خبر، وقد علم أنه لم يرد /٣٩أ/ صيغة الخبر (١) ، فتعين أن يحمل على النهي، هذا إذا روي بصيغة الخبر، «لَا تُشَدُّ» بالضم، وأما إذا روي بصيغة النهي: «لَا تَشُدِّ الرِّحَالَ» ، و «لَا تُعْمِلِ الْمَطِيَّ» لم يبق فيه شبهة، وهذا كقوله: {لَا تُضَارُّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقر: ٢٣٣] على قراءة من قرأ بالرفع عطفًا على قوله: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٣٣] فإن هذه صيغة خبر، ومعناه النهي، كقراءة من قرأ: {لَا تُضَارَّ} بفتح الراء، فإن هذا نهي، لكنه فتح الراء لالتقاء الساكنين، كما في قوله: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: ٢٨٢] وفي قوله: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [المائدة: ٥٤] . وفي الآية الأخرى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [البقرة: ٢١٧] وكذلك قوله: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] أي: لا تجادلوا (٢) في الحج، وقول من قال: لم ينه عن ذلك، وإنما نفى استحبابه؛ غلط من وجوه:

منها: أن يقال: معلوم أن من سافر إلى مسجد غير الثلاثة، أو بقعة معظمة، فإنما يفع ذلك متقربًا به، ولا يفعله على أنه مباح مستوي


(١) في حاشية الأصل تعليق مبتور يبدو منه بعض ألفاظ حديث «لا تشد الرحال ... » المتقدم.
(٢) غيرت في المطبوع إلى: (تجادلون) .

<<  <   >  >>