النبي صلى الله عليه وسلم يقف يدعو لنفسه ولغيره، بل ولا كانوا يطيلون القيام عنده للدعاء له، بل كما كان ابن عمر يسلم وينصرف، يقول: /٢٥ب/ السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت (١) ، ثم ينصرف، ولما حدث قوم يطيلون القيام يدعون للنبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك مالك وغيره من العلماء، وقالوا: هذا بدعة لم يفعلها السلف، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
وكان الصحابة إذا أرادوا أن يدعوا، دعوا في المسجد، واستقبلوا القبلة، ودعوا الله في بيته، لا يستقبل أحدهم القبر ويدعو، هذا وهم يدعون الله تعالى وحده، وأما دعاء الرسول، أو طلب الحوائج منه، فهذا لم تكن الصحابة تعرفه البتة، وقد أصابهم ضرورات في الدين والدنيا، مثل الجدب الذي أصابهم عام الرمادة، وغيره، ومثل الخوف الذي كان يصيبهم في قتال الكفار، فيخافون أن ينتصر الكفار على المؤمنين، ومثل الذُّنوب التي يصيبها من يصيبها منهم.
ولا يُعرف عن أحدٍ من الصحابة أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته حاجة، لا زوال الجدب، ولا النصر على العدو، ولا غفران الذنوب، لا يطلبه منه، ولا يشكيه إليه، ولا يقول: ادع الله لنا، /٢٦أ/ بل قد ثبت في الصحيح: أنهم عام الرمادة لما أجدبوا استسقى عمر بالعباس وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا. فيسقون.