للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه قال: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا» .

فلما كان السفر إلى مسجده مشروعًا، مستحبًّا، وقبره قد صار في مسجده، صار في زيارة قبره من الاشتباه ما ليس في قبر غيره، فلهذا كره مالك وغيره أن يقال: زرت قبره؛ لئلا يظنّ أن السفر إلى هناك لأجل زيارة قبره، ولهذا ظهر الفرق بين السفر إلى مدينته، والسفر إلى غيرها، فالسفر إليها للصلاة في مسجده مستحب، والسلام /٤٤أ/ عليه حينئذ حسن، يسلّم عليه في مسجده، ويصلي عليه إمّا مستقبل القبلة، وإمّا مستقبل الحجرة، كما فعل ذلك من فعله من الصحابة.

وليس كذلك قبر غيره، فإنه لا يشرع السفر إلى المدينة التي هو بها بحال، إذ ليس فيها مسجد من المساجد الثلاثة، فالمسافر إلى تلك المدائن لزيارة مسجد، أو قبر، ظالم لنفسه، مخالف للشرع، بخلاف المسافر إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه مطيع لربّه، متقرّب إليه، متبع للشريعة، ثم يفصل بين المشروع وغير المشروع، كما أن زيارة القبور التي في البلد مشروعة ثم تنقسم زيارتها إلى مشروعة وغير مشروعة (١) ، بخلاف السفر إلى مشهد، أو مسجد غير الثلاثة، فإنه كلّه غير مشروع، ولا تقسيم (٢) (فيه) (٣) .

ولهذا تنازع الفقهاء المتأخرون من أصحاب أحمد وغيرهم في قصر الصلاة في السفر إلى القبور، على أربعة أوجه:

قيل: لا تقصر بحال، وقيل: تقصر بكل حال، وقيل: لا تقصر إلا في السفر إلى قبر نبيّنا.

وقيل: يقصر فيه، وفي السفر إلى سائر الأنبياء، وهذا قول قاله بعض الشيوخ الذين أدركناهم، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم استثني لكونه نبيًّا، فعدّى ذلك إلى غيره، وليس كذلك، وإنما استثني؛ لأن السفر إلى مدينته سفر


(١) في الأصل: (إلى مشروع وغير مشروع) ، والتصويب من المحقق.
(٢) غيرت في المطبوع إلى: (يقسم) .
(٣) سقطت من المطبوع.

<<  <   >  >>