ولو كان إتيان قبره لصلاة أو دعاء، أو سلام، أو طلب حوائج، مما سنّه لهم؛ لكان يكون باب الحجرة مفتوحًا لجميع المسلمين، وكانوا يقصدونه لذلك، كما أن مسجده لمّا كان إتيانه للصّلاة، والدُّعاء، والسّلام عليه، في الصلاة، وغير الصّلاة، مشروعًا، كان مفتوحًا للمسلمين يقصدونه في كل وقت، ويسافرون إليه من الأمصار، ولهذا لما كانت الصّلاة عليه بعد الموت، وقبل الدفن، - صلاة الجنازة - مشروعة؛ فتحوا باب الحجرة لجميع الصّحابة، فكان كل منهم يدخل فيصلي عليه، ثم يخرج، وصلّوا عليه أفذاذًا، لم يؤمهم في الصّلاة عليه أحد، وعائشة رضي الله عنها في ناحية الحجرة.
فلو كان إتيان قبره بعد دفنه كإتيانه قبل الدفن؛ /٣٠أ/ لكانت الحجرة مشرَّعة للمسلمين، كلّهم يأتي قبره ليفعل ما سنّه للمسلمين، فلمّا اتفق الصّحابة على أنهم يدفنونه في الحجرة، ولا يمكن النّاس من الدخول عليه، فلم يمكن أصحابه، ولا غير أصحابه، من الدخول إلى الحجرة إلا صاحبة الحجرة، ومن دخل إليها؛ علم أن إتيان قبره لم يكن مما سنّه لهم وأمرهم به، بخلاف السّلام عليه في الصّلاة، وخارج الصّلاة، في مسجده، وغير مسجده، فإنه مما سنّه لهم، وأمرهم به، كما أمروا بالصلاة عليه، والسّلام عليه من جنس الصلاة عليه، وقد أمروا في القرآن بهذا وهذا، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: ٥٦] .
وهو لم يكتف بأنه لم يأمرهم بإتيان قبره، وزيارته في حجرته، والدعاء عنده، والصلاة؛ بل نهاهم عن ذلك، فقال في مرض موته: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ