ولهذا كان عامة الصّحابة يقدمون المدينة على عهد الخلفاء الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، يأتون إلى الخليفة لبعض مصالح المسلمين، ويصلُّون خلفهم في مسجده، ويسلّمون خلفهم في مسجده، ويسلّمون عليه في الصّلاة، كما شرع لهم ذلك، ولم يكونوا يذهبون إلى قبره لا لسلام، ولا دعاء، ولا غير ذلك، وهذا مما يعلم بالضرورة أنهم لم يكونوا يفعلونه، فإنهم لو فعلوه لنقل نقلاً متواترًا لظهور مثل هذا لو فعل في مسجده.
ولهذا اتفق العلماء على أنّه لا يشرع لأهل المدينة إذا دخلوا المسجد وخرجوا أن يقفوا عند الحجرة، وإنما رخص من رخص عند السفر لأجل فعل ابن عمر، وللغرباء؛ لأنه كثر في التّابعين ما لم يكن مشهورًا في الصّحابة من الوقوف عند القبر للسّلام، وإن كان كثير من التابعين لا يفعلون ذلك، بل إذا سلّموا عليه استقبلوا القبلة، كما كان جمهور الصحابة يفعلون، فإن الصّحابة لم يكونوا يقفون في المسجد بجانب القبر، ولا كانوا يكثرون من /٢٩ب/ الدخول، بل ولا كانوا يكثرون من الدخول إلى عند القبر، بل دفن في الحجرة، ومنع النّاس أصحابه، وغير أصحابه، من الدخول إلى عند قبره، وإنما كان يدخل من يدخل إلى عائشة رضي الله عنها وكانت ناحية في الحجرة عن القبر، وربما طلب منها أحيانًا بعض التابعين أن تريه القبر، فتريه إياه، ليعرف السُّنة في القبور وأنها تكون لاطية، لا مشرفة.
فلمّا ماتت عائشة، منع الناس منعًا عامًّا، وكان الدخول ممكنًا مع وجود الباب، فلما سدّت الحجرة، وبني الحائط البرَّاني؛ صار الدخول إلى قبره، والزيارة له كما يزار قبر غيره، غير مقدور، ولا مأمور.