للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقال لهذا: معجزات الأنبياء مختصة بهم وبمن اتبعهم من المؤمنين، لا يجوز أن يكون لمن كفر بهم من المعجزات مثل ما لهم، فإن معجزاتهم هي آيات نبوتهم، وبرهان رسالتهم، والدليل يجب أن يكون مختصًّا (١) بالمدلول عليه، فلو كان لمن كذبهم مثل ما لهم لم يكن ذلك دليلاً، ولهذا طلب أعداؤهم أن يعارضوهم فيأتوا بمثل ما أتوا به، كما فعلت السحرة بموسى، وكما قصد بعض الناس أن يعارض القرآن، ولو أتوا بمثل ما أتت به الأنبياء لانتصروا.

فلو أن السحرة أتوا بمثل ما أتى به موسى لم يكن موسى قد جاء بآية، بل من تمام آيات الأنبياء أن المكذبين لهم لا يقدرون على مثلها، ولهذا لما ظهر للسحرة أن ما أتى به موسى لا يمكنهم أن يأتوا بمثله، وليس من جنس السحر؛ آمنوا به، وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ • رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء: ٤٧-٤٨] وقالوا لفرعون: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا • إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: ٧٢-٧٣] .

ولهذا /٦٩أ/ تحدى الرسول المكذبين أن يأتوا بمثل هذا القرآن، تحداهم بمثله، ثم بعشر سور، ثم بسورة، وقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨] وقد بسط الكلام على هذا في مواضع.

فإن الكلام في المعجزات، وخصائصها، والفرق بينها وبين غيرها،


(١) في الأصل: (مختصٌّ) ، والتصويب من المحقق.

<<  <   >  >>