للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو من تعظيم القبور، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» وقد استجاب الله دعاءه، فلم يُتخذ - ولله الحمد - قبره وثنًا يعبد، ولا يمكن أن يفعل عنده ما هو دون هذا وذريعة إليه /٤١ب/ مما نهى عنه، فلا يستطيع أحد أن يفعل عند قبره منكرًا، ولا يزوره الزيارة المشروعة في غيره، بل قد منعوا من ذلك سدًّا للذريعة، وإنّما يمكن الوصول إلى مسجده.

وقد يظنّ الظّانُّ أن ما يفعل في المسجد هو عند قبره، وهو غلط، المسجد مسجد قبل قبره، وليس شيء من المسجد من بيته، ولا من قبره، فلا يستطيع أحد أن يفعل هناك خيرًا، أو شرًّا، إلا في مسجده، وأما في بيته فلا يستطيع أحد أن يفعل فيها (لا) (١) خيرًا، ولا شرًّا، ولكن يتوهم أكثرهم أن هذا زيارة لقبره، وإنما زار مسجده، لم يزر قبره، ولا فعل هناك شيئًا (٢) يختص بالقبور، بل لم يفعل هناك إلا ما يمكن فعله في غير القبور.

ومن توهم أن الذي فعله.. فعله عند قبره؛ فهو غالط، وقيل له: ما الحدّ الفاصل بين قبره وغير قبره؟ أترى من فعل في الجانب الغربي من المسجد شيئًا، فهو أيضًا عند قبره؟ فإن قال: نعم، كان كل من صلّى في المسجد صلى عند القبر، وهو قد نهى عن اتخاذ القبور مساجد، وإن قال: لا، قيل له: فقبره وسط المسجد، فإن حدّ حدًّا بذراع، أو باع، أو رمح؛ كان متحكمًا، فعلم أنه ليس أحد ينهى في المسجد عند قبره، ولا زار أحد منهم قبره، ولا وصل إلى قبره.

ولهذا لم يكن أحد من السلف يطلق على شيء من ذلك أنه زيارة لقبره، وقد كره كثير من العلماء أن يقال: زرنا قبره، ولا ريب /٤٢أ/ أن هذا باطل، لم يزر قبره أحد قط، ولكن الذين أطلقوا ذلك أرادوا به الدّخول إلى المسجد بحيث يكون قريبًا من قبره، ولم يذكروا في ذلك حدًّا


(١) سقطت من المطبوع.
(٢) في الأصل: (شيء) ، والتصويب من المحقق.

<<  <   >  >>