للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما قال ابن بطال -رحمه الله-: غرض البخاري في هذا الباب الرد على من قال إن (معنى سميع بصير) عليم وقال: ويلزم من قال ذلك أن يسويه بالأعمى الذي يعلم أن السماء خضراء ولا يراها والأصم الذي يعلم أن في الناس أصواتاً ولا يسمعها، ولا شك أن من سمع وأبصر أدخل في صفة الكمال فمن انفرد في أحدهما دون الآخر فصح أن كونه سميعاً بصيراً يفيد قدراً زائداً على كونه عليماً وكونه سميعاً بصيراً يتضمن أنه يسمع بسمع ويبصر ببصر كما تضمن كونه عليماً أنه يعلم بعلم ولا فرق بين إثبات كونه سميعاً بصيراً أو بين كونه ذا سمع وبصر، قال وهذا قول أهل السنة قاطبة. (١)

ولهذا عقد الإمام عثمان الدارمي فصلاً حافلاً في رده على الجهمية وفي رده على بشر المريسي خاصة، أورد فيه شبة القوم والرد عليهم من الكتاب والسنة والعقل والزمهم بعدة لوازم على قولهم بالتأويل منها:

١ - القول بعجز الله إذ من لا يسمع ولا يبصر عاجز كما قال الخليل {يا ابت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً} مريم ٤٢.

٢ - إن السمع والبصر إذا كان اثباتهما نفياً للعجز وجب أن نصف الله كما وصف به نفسه وهو أعلم بصفات نفسه.

٣ - أنه لا يلزم من ثبوت السمع والبصر أن يكون بعضه سميعاً وبعضه بصيراً، ومثل هذا لا يصلح وصفه لأدنى الحيوانات، فكيف بالخالق سبحانه وتعالى. (٢)

فكان أن أورد - رحمه الله - أكثر أحاديث البخاري في الرد على شبهة الجهمية، وقد ورد حديث آخر في إثبات السميع بسمع والبصير ببصر ما رواه أبوداود عن أبي هريرة -رضي


(١) الفتح ١٣/ ٣٨٥.
(٢) انظر تفصيل ذلك في الرد على بشر المريسي صـ ٣٩٩ وما بعدها. والحجة للأصبهاني ١/ ١٧٦.

<<  <   >  >>