[باب ذكر الكبر]
" ٣ " باب ذكر الكبر وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}
وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
وقول الله تعالى: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}
٤ - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: - «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل: يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس» رواه مسلم.
ــ
(٤) رواه مسلم كتاب الإيمان ١ / ٩٣ رقم ٩١.
الكبر: بكسر الكاف وهي الحالة التي يختص بها الإنسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره، وأعظم ذلك أن يتكبر على ربه بأن يمتنع من قبول الحق والإذعان له بالتوحيد والطاعة، والتكبر يأتي على وجهين أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة زائدة على محاسن الغير ومن ثم وصف سبحانه نفسه بالمتكبر.
والثاني: أن يكون متكلفا لذلك، متشبعا بما ليس فيه، وهو وصف عامة الناس نحو قوله سبحانه: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}
أما معنى قوله: «الكبر بطر الحق» هو أن يجعل ما جعله الله حقا من توحيده وعبادته باطلا. وقيل هو أن يتجبر عند الحق فلا يراه حقا وقيل هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله.
أما غمط الناس: الغمط الازدراء والاحتقار.
واعلم أن الكبر من المهلكات ولا يخلو أحد من خلق عن شيء منه، وإزالته فرض عين، لا يزول بمجرد التمني بل بالمعالجة.
قال الغزالي:
ومن المعالجات لمرض الكبر أن يعرف نفسه، ويعرف ربه تعالى ويكفيه ذلك في إزالة الكبر، فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل وأقل من كل قليل وأنه لا يليق به إلا التواضع والذلة والمهابة، وإذا عرف ربه علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا بالله.
وأما معرفة نفسه فنذكر من ذلك ما ينفع في إثارة التواضع والمذلة ويكفيه أن يعرف معنى آية واحدة في كتاب الله قوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ - مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ - مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ - ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ - ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ - ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}
فقد أشارت الآية إلى أول خلق الإنسان، وإلى آخره وإلى وسطه، فلينظر الإنسان إلى ذلك ليفهم معنى هذه الآية.
أما أوله فهو لم يكن شيئا مذكورا، وقد كان في حيز العدم، ثم خلقه من أرذل الأشياء، ثم من أقذرها إذ قد خلقه من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة. . إلخ ثم أسمعه بعدما كان أصم، وبصره بعدما كان فاقدا للبصر، قواه بعد ضعف، وعلمه بعد الجهل وأغناه بعد الفقر، وأشبعه بعد الجوع، وكساه بعد العري، وهداه بعد الضلال، فانظر كيف دبره وصوره.
وأما آخره ومورده، فهو الموت فيسلب منه روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحركته، فيعود جمادا كما كان أول مرة، ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة يهرب منه الحيوان، ويستقذره الإنسان، لشدة الإنتان ويأكل الدود أجزاءه فيصير روثا في أجواف الديدان، وبعد ذلك يكون متكبرا! اللهم غفرانك..