للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واقتدى أصحابه -رضوان الله عليهم- بهذا المفهوم، فَلَمَّا رجفت الكوفة في عهد ابن مسعود، قال: ((يا أيها الناس، إن الله يستعتبكم فأعتبوه)) ..

أي: يطلب أن ترضوه، فافعلوا ما يرضيه، وتجنبوا ما يسخطه.

وزلزلت المدينة على عهد عمر - رضي الله عنه -، فقال: ((أحدثتم .. لئن عادت لَأَفْعَلَنَّ وَأَفْعَلَنَّ)) (١).

واعلم أنه ليس في هذا إنكارٌ للسنن الكونية، ولا جَحْدٌ للأسباب المادية العلمية، ذلك بأن الله هو الذي خلق هذه الأسباب، وَرَتَّبَ عليها أفعالًا؛ كالخسوف، والمطر، والرياح؛ وذلك لتخويفنا، وابتلائنا، والإنعام علينا .. فَتَنَبَّهْ لهذا، ولا يخلطنَّ الشيطانُ عليك الأمرَ؛ ليقذف في القلب شيئًا، فَكُلٌّ من عند الله، وَكُلٌّ من أمر الله ..

فالله هو القائل: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: ٥].

وهو القائل: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: ٥٩].

واعلم أن الدين لا يمنع من معرفة بعض السنن الكونية؛ كالخسوف، وغيره -قبل حدوثها- إن كان ذلك عن طريق العلم الصحيح، لا عن طريق التكهن، وادعاء معرفة الغيب .. وللمسألة تفصيل ليس ههنا محله.

وأوجز ابن القيم هذا المفهوم -ما أصابنا بما كسبت أيدينا- فقال: ((فَكُلُّ نَقْصٍ، وبلاء، وشر، في الدنيا والآخرة، فَسَبَبُهُ الذنوب، ومخالفة أوامر الرب، فليس في العالم شر قَطُّ، إلا والذنوب وموجبتها)) (٢).


(١) راجع ابن جرير، وابن كثير، عند قوله تعالى: } وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا {[الإسراء: ٥٩].
(٢) المدارج (١/ ٤٢٤) ولعل الواو التي قبل ((موجبتها)) مقحمة ومعنى موجبتها: سببها.

<<  <   >  >>