للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا هو سوء الظن الذي وقع فيه ضعاف الإيمان في غزوة أُحُدٍ.

{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٥٤].

ولم يكن سوء الظن هذا بمقالهم، فمن أساء الظن بالله فقد كفر، ولكنه كان بلسان حالهم، ولازم أفعالهم وأقوالهم، إذ قالوا: {هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ}، فرد الله عليهم بقوله: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}.

فأمر النصر بيده .. وأمر الهزيمة بيده .. وأمر القتل بيده .. وأمر المؤمنين بيده .. وأمر الكفار بيده .. وأمر الكون كله بيده .. فلا تظنوا بالله ظن السوء ..

وأنه أخلف وعده، ولم ينصر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنكم أنتم الذين أخلفتم وعده، ونقضتم ميثاقه، بدليل نصرته لكم أَوَّلَ المعركة.

قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ١٥٢].

وقال الله لأمثال هؤلاء الذين يظنون أن الكفار يغلبون، وأن الله لا ينصر رسوله: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: ١٥].

أي: من كان يظن أن لن ينصر الله دينه، ولن يؤيد رسوله، فليشنق نفسه حقدًا وغيظًا، ثم لينظر هل فعله هذا يشفي ما في نفسه من الحقد والغيظ؟ !

وهو نوع من أنواع التهكم والسخرية بهم (١).


(١) انظر تفسير ابن كثير (٣/ ٢٢١)، والقرطبي (١٢/ ٢١)، وغيرهم.

<<  <   >  >>