للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان يَكْرَهُ أن يُحَدِّث في الطريقِ وهو قائم أو يستعجل، وقال: أُحِبُّ أن أَتَفَهَّمَ ما أُحَدِّثُ به عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وروي عنه أيضًا أنَّه كان يغتسل لذلك ويتبخَّر ويتطيَّب، فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبَرَهُ وقال: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: ٢]، فمن رَفَعَ صَوْته عند حديث رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكأنَّما رَفَعَ صوته فَوْق صَوْتِ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١).

وكذلك ينبغي أن يَتَأَدَّبَ بهذهِ الآدابِ من حَضَرَ مَجْلِسَ التَّحديثِ، وهذا من جملةِ ما تُعْرَفُ به محبتُه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيمُه وتوقيرُه، ومن الغرائبِ ما في كتاب "حلية الأَولياء" عن وهب بن منبِّهٍ أنَّه كان في بني إسرائيل رَجُلٌ عَصَى الله تعالى مائتي سَنَةٍ ثُمَّ ماتَ فَأَخَذوا بِرِجْلِهِ وألقَوْه على مَزْبَلةٍ، فَأَوحَى الله تعالى إلى موسى عليه السَّلامُ أن اخْرُج فصَلِّ عليه، قال: يا ربِّ، بنو إسرائيل شَهِدوا أَنَّه عَصَاكَ مئتي سَنة، فأوحى الله، هكذا كان إلَّا أنَّه كان كُلَّما نَشَرَ التَّوراةَ أي فتحها للقراءة فيها ونظر إلى اسمِ مُحمَّدٍ قَبَّلَهُ وَوَضَعَهُ على عينيه وصلى عليه فَشَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَغَفَرْتُ ذُنُوبَهُ وَزَوَّجْتُهُ


(١) انطر أخبار الإمام مالك هذه في "ترتيب المدارك" للقاضي عياض (١/ ١٥٥، ١٦٢).

<<  <   >  >>