للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: فإنِّي لغريب بها وقيار بها كذلك، وإنما احتاجوا إلى هذا التقدير؛ لأنه لا يجوز الحَمْلُ على الموضع ما لم تَفْرُغْ من خبر الأول، لا تقول: إن زيدًا وعمرو قائمان، كما تقول: إن زيدًا قائم وعمرو، وسبب امتناع ذلك من حيث إنك إذا رفعت عمروًا عطفًا على محل إن واسمها كان مرفوعًا بالابتداء، وكان بمنزلة أن تقول: عمرو وإن زيدًا، في أن (عمرو) لا يكون فيه تأثير لـ (إنّ)، فإذا قلت: إن الزيدِينَ وعمرو قائمون، احتجت أن ترفع (قائمون) بكلِّ واحد من (إنّ) والابتداء؛ لأنه خبر المنصوب بإن والمرفوع بالابتداء، وذلك أن (إنَّ) إذا نصب الزيدِينَ وجب أن يرفع خبره، وعمرو إذا ارتفع بالابتداء وجب أن يرتفع خبره أيضًا بالابتداء؛ لأن (إنّ) ينتظم الجزأين في عمله، كما ينتظمهما الابتداء في عمله علي الحد المعروف عند أرباب هذه الصناعة.

فإذا كان (قائمون) خبرًا عن اسم إنّ وعن المبتدأ الواقع بعده أفضى بك الحالِ إلى أن تُعْمِل فيه رافعين مختلفين، ولا يعمل عاملان مختلفان في معمول واحد، ولو جاز هذا لجاز أن يكون زيد في قولك: أقائم زيد، مرفوعًا بالابتداء والفعل معًا، وذلك لا يقوله ذو لُبٍّ، فلما كان كذلك رفعوا (الصابئون) بالابتداء، ونووا به التأخير، وأضمروا له الخبر فرارًا من إعمال رافعين مختلفين في معمول واحد.

فالصابئون مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة، وهي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} إلى قوله: {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ولا محل لها كما لا محل للتي عُطِفَتْ عليها.

وذهب أبو الحسن، والكسائي: إلى أنه رفع بالعطف على المضمر في (هادوا) (١)، وهذا فاسد من جهة المعنى ضعيف من جهة العربية.


(١) ذكره الفراء ١/ ٣١٢، والزجاج ٢/ ١٩٤ عن الكسائي، وحكاه النحاس ١/ ٥١٠ عنه وعن أبي الحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>