للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما لم يعوضوا إذا وقع بعدها الاسم، لأجل أن (أن) لحقها هنا ضرب واحد من التغيير وهو الحذف، ولحقها إذا وقع بعدها الفعل ضربان: أحدهما الحذف، والآخر: وقوع الفعل بعدها، وذاك أن هذا الباب موضوع للأسماء في الأصل من حيث إنه مشبه بالفعل، وإذا عدل به عن الأصل من وجهين كان التغيير أقوى، فيحتاج إلى التعويض، وإذا كان التغيير وجهًا واحدًا لم يعتد به وجاز ألا يعوض.

وإنما دخل فعل الحِسبان على (أن) التي هي للتحقيق؛ لأنهم قطعوا بذلك واعتقدوه دون أن يكونوا نافين للفتنة على سبيل الرجاء والطمع، فلما كان كذلك نزل حسبانهم لقوته في صدورهم وثبوته في نفوسهم منزلة العلم واليقين، كأنه قيل: وعَلِمُوا أنه لا تكون فتنة (١).

وكان هنا هي التامة، وسَدَّ أن وما اتصل بها مَسَدَّ مفعولي الحِسبان.

{فَعَمُوا}: أصله عَمِيُوا، فاستثقلت الضمة على الياء فأزيلت عنها وحذفت لالتقاء الساكنين هي والواو.

والجمهور على فتح العين والصاد من قوله: {فَعَمُوا وَصَمُّوا} على البناء للفاعل، وقرئ: بضمهما على البناء للمفعول (٢)؛ أي: عَمَّاهم الله، وصمَّهم، بمعنى: رماهم وضربهم بالعَمَى والصَّمَم، كما يقال: نزكتُه، إذا ضَرَبْتَهُ بالنيزك (٣)، ورَكَبْتُهُ، إذا ضربتَه بركبتك، هذا قول الزمخشري (٤).

وقوله: {كَثِيرٌ مِنْهُمْ} ارتفع {كَثِيرٌ} على أحد ثلاثة أوجه:


(١) في (ب): واعلموا أنه ....
(٢) قراءة شاذة نسبت إلى يحيى بن وثاب، والنخعي. انظر المحتسب ١/ ٢١٧، والمحرر الوجيز ٥/ ١٦٠.
(٣) قال في الصحاح (نزك): النيزك رمح قصير، كأنه فارسي معرب، تكلمت به الفصحاء، وقد نزكه، أي طعنه.
(٤) الكشاف ١/ ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>