للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو من قضيت ديني، إذا أديته، بمعنى: أدوا إليّ ما هو حق عليكم عندكم من هلاكي، كما يقضي الرجل غريمه، كقوله: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ} (١)، أي: أنهيناه إليه، وأبلغناه ذلك، والقضاء: الأداء والإنهاء؛ وهذا الوجه أجود الأوجه لقوله: {إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ}، أي: ولا تؤخرون، يقال: أنظرت فلانًا، إذا أخرته وأمهلته.

وقرئ: (ثم أَفْضُوا إليَّ) بالفاء مع قطع الهمزة (٢)، إما من أفضى الرجل إلى حليلته، إذا انتهى إليها، وهو كناية عن الجماع والوصول إليها، بمعنى: انمهوا إليَّ بشرّكم وصِلُوا إليَّ بما في نفوسكم، أو من أفضى الرجل، إذا خرج إلى الفضاء؛ لأنه إذا صار إلى الفضاء تمكن من الإسراع على ما يقدر عليه مع السعة، بمعنى: أصحروا (٣) به إليّ وأبرزوه لي، يعني ما يريدون به من المكروه والشر.

قال أبو الفتح: لام أفضيت والفضاء وما تصرف منهما واو، لقولهم: فضا الشيء يفضوا فضوًا، إذا اتسع (٤).

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)}:

قوله عز وجل: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ} أي: من بعد نوح - عليه السلام -. والهاء والميم في {قَوْمِهِمْ} للرسل، وهم هود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب - عليه السلام - على ما فسر (٥).


(١) سورة الحجر، الآية: ٦٦.
(٢) قراءة شاذة نسبت إلى السري بن ينعم. انظر المحتسب ١/ ٣١٤. والمحرر الوجيز ٩/ ٦٩.
(٣) صحفت في المطبوع إلى (أسرعوا). وأصحر بالأمر: أظهره. والأصل: خرج إلى الصحراء.
(٤) المحتسب ١/ ٣١٥ - ٣١٦.
(٥) الكشاف ٢/ ١٩٨. وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما - كما في زاد المسير ٤/ ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>