للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما تشديد (لما) مع نصب (كل) فمشكل؛ لأنه لا يجوز أن تكون {لَمَّا} هنا بمعنى إلّا، ولا بمعنى الحين، ولا بمعنى لَمْ لعدم المعنى.

وأحسن ما قيل فيه وهو قول الفراء: أن أصله (لَمِن ما) بكسر الميم الأولى على أنَّها الجارة، فقلبت النون ميمًا لأجل الإدغام، فاجتمعت ثلاث ميمات، فحذفت إحداهن كراهة اجتماع الأمثال، وهي الأولى، وأدغمت الوسطى فبقي (لَمَّا) كما ترى (١).

وساغ حذف الأولى وإبقاء الوسطى وهي ساكنة، لاتصال اللام بها.

و(ما) هي الخبر وهي نكرة بمعنى مَنْ.

والمعنى: وإنَّ كلَّا لَمِن خَلْقٍ، أو لَمِنْ بَشَرٍ والله ليوفينهم ربك جزاء ما صدر منهم.

وقد جوز أن يكون الأصل لَمَن ما - بفتح الميم - على أنَّها اسم، فما على هذا تكون مزيدة، والمحذوفة هي الوسطي، والتقدير: وإن كلًّا لَخَلْقٌ أو لَبَشَرٌ والله ليوفينهم أعمالهم (٢).

وقيل: إن {لَمَّا} هنا مصدر لَمَّ يَلُمُّ لَمًّا، إذا جمع (٣)، كالذي في قوله عزَّ وجلَّ: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا} (٤)، أي: جامعًا لأجزاء المأكول، لكن أجرى الوصل مجرى الوقف، تعضده قراءة من قرأ: (وأن كُلًّا لَمًّا) بالتنوين، وهما الزهري، وسليمان بن أرقم (٥) على معنى وإنّ كُلًّا


(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٦٧٢.
(٢) انظر هذا الوجه في معاني الزجاج ٣/ ٨١. ومشكل مكي ١/ ٤١٥ - ٤١٦.
(٣) انظر هذا القول في معاني الزجاج ٣/ ٨٢. وعزاه النحاس في إعرابه ٢/ ١١٥ إلى أبي عبيد.
(٤) سورة الفجر، الآية: ١٩.
(٥) انظر قراءتهما رحمهما الله أيضًا في المحتسب ١/ ٣٢٨. والكشاف ٢/ ٢٣٦. والمحرر الوجيز ٩/ ٢٢٩. واكتفى الفراء ٢/ ٣٠. والنحاس ٢/ ١١٤. ومكي ١/ ٤١٦ بنسبتها إلى الزهري. والزهري هو ابن شهاب المدني أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله. أحد أعلام الإسلام =

<<  <  ج: ص:  >  >>