للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {وَأَنَّ اللَّهَ} عطف على أنَّ الأولى، أي: وليعلم أن الله لا يهدي كيد الخائنين: لا ينفذه ولا يسدده.

{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥)}:

قوله عز وجل: {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} في {مَا} وجهان، أحدهما: موصولة بمعنى (مَنْ). والثاني: مصدرية. وفي الكلام حذف مضاف على كلا الوجهين، أما على الوجه الأول فتقديره: إلا نفس من رحم ربي، فحذف المضاف. وأما على الثاني فتقديره: إلا وقت رحمة ربي، والمعنى: أن النفس أمارة بالسوء في كل وقت وأوان إلا وقت العصمة.

فـ (ما) على هذين الوجهين في موضع نصب على الاستثناء، والاستثناء متصل، وقد جوز أن يكون منقطعًا (١) على معنى: ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة، كقوله: {وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلَّا رَحْمَةً ..... } (٢)، وقوله: {لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (٨٦) إِلَّا رَحْمَةً} (٣).

وقيل: إن قوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} الآية، من كلام امرأة العزيز، أي: ذلك الذي قلت ليعلم يوسف أني لم أخنه، ولم أكذب عليه في حال الغيبة، وجئت بالصحيح والصدق فيما سئلت عنه، وما أبرئ نفسي مع ذلك من الخيانة حين قرفته (٤) وقلت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن، وأودعته السجن، تريد الاعتذار مما كان منها. إن كل نفس لأمارة


(١) جوزه الزمخشري ٢/ ٢٦٢.
(٢) سورة يس، الآية: ٤٣ - ٤٤.
(٣) سورة الإسراء، الآية: ٨٦ - ٨٧.
(٤) قرفته: اتهمته. وفي الأصل والكشاف الذي منه هذا النص: فرقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>