للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين بين، قال سيبويه: وهو قول العرب والخليل (١). فهو سهو منه، لأن الهمزة إذا كانت مفتوحة مكسورًا ما قبلها أو مضمومًا نحو: مِئَرٍ وجُؤَر (٢) وأريد تخفيفها ليس فيها إلا أن تقلب ياء محضة في حال الكسر، وواوًا خالصة في حال الضم، ولا يجوز فيها بين بين، وذاك أن الهمزة المفتوحة إذا جعلتها بين بين قربتها من الألف، والألف لا تقع بعد الضمة والكسرة بوجه، فكذلك لا يقع بعدهما ما يقارب الألف، كما أن الألف لما لم يمكن الابتداء به، لم يكن جعل الهمزة بين بين في الابتداء، وإذا امتنع كونها بين بين، فليس إلا القلب فاعرفه.

فإن قلت: ولعل أبا علي أراد بقوله: وإن خفف الهمزة من فاعلة نحو: قائمة وبائعة. قلت: لا يصح ما ذهبت إليه لأمرين:

أحدهما: أن الكلام في (حامية) لا في غيرها، وفيها تَكَلَّمَ لا في نحو: قائم وقائمة.

والثاني: أن أبا الحسن يوافق الخليل وصاحب الكتاب رحمة الله عليهم في الجعل بين بين في هذا الضرب، لا أعرف في ذلك خلافًا بينهم. وإذا تقرر هذا، ثبت أنه سهو منه، ومَن الذي لا يسهو؟ فسبحان الذي لا يسهو.

وقوله: {قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} (أنْ) مع الفعل في الموضعين بتأويل المصدر، وفيه وجهان:

أحدهما: في موضع نصب بإضمار فعل تقديره: إما أن توقع هذا أو هذا. أَباحَهُ الله تعالى أحدَ هذين الحكمين، كما أباحَ المسلمين في قوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (٣).


(١) إلى هنا انتهى كلام أبي علي كما في حجته الموضع السابق. وانظر كتاب سيبويه ٣/ ٥٤٢.
(٢) المِئَرُ: جمع مِئْرَة بالهمز، وهي الذَحْل والعداوة. وحرفت الكلمة في (ط) إلى (بئر) ولا يصح هذا على ضبط المؤلف. وأما (الجُؤَر) فعن الأصمعي: غيث جُؤَر، مثال نُفَر: أي غزير كثير المطر.
(٣) سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -، الآية: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>