للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد ... فإن قوله: {مَا وَرَاءَ} ذُكر في {مَا} وجهان:

أحدهما: موصول بمعنى الذي، والذي كناية عن الفعل، أي: وأحل لكم تحصيل ما سوى ذلك الفعل المحرم.

والثاني: أن {مَا} بمعنى مَن، أي: مَن سوى [مَن] (١) لم يبين تحريمها لكم.

وقوله: {مُحْصِنِينَ} حال من الضمير في {أَنْ تَبْتَغُوا} وكذلك {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} لأ أي: غير زانين. والمسافح: الزاني، تقول: سافَحه مُسَافَحَةً وسِفاحًا. وأصل السَّفْحِ الصَّبُّ، يقال: سَفَحَ الدمع، إذا صبَّهُ، وسُمّى الزنا سِفاحًا لصبه الماء باطلًا. قيل: وكان الفاجر يقولى للفاجرة: سافحيني وماذيني، مِن المَذْيِ (٢).

وقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (ما) تحتمل أن تكون شرطية بمعنى مَن، وأن تكون موصولة بمعنى الذي، وهي في كلا الوجهين في موضع رفع بالابتداء، والخبر على الوجه الأولى: فعل الشرط وجوابه وهو {فَآتُوهُنَّ}، أو جوابه ليس إلّا على الخلاف المشهور المذكور في غير موضع (٣). والضمير في {بِهِ} راجع إلى لفظ (ما)، وفي {مِنْهُنَّ} و (آتوهن) إلى معناه، و (من) مِن {مِنْهُنَّ}: مُبَعِّضَة أو مُبَيِّنَة.

وعلى الثاني {فَآتُوهُنَّ}، أعني الخبر لا غير. والعائد من الخبر - على هذا الوجه - محذوف.

والمعنى: فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو عقد وشبههما فآتوهن أجورهن عليه، ثم حُذف الراجع للعلم به، كما حذف من قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (٤) أي: إن ذلك الصبر منه. و (ما) على كلا المعنيين تحتمل أن تكون شرطية، وأن تكون موصولة، فاعرفه.


(١) من (أ) فقط.
(٢) الكشاف ١/ ٢٦٢.
(٣) انظر إعراب الآية (٣٨) من البقرة.
(٤) سورة الشورى، الآية: ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>