للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في كتاب ولا سنة ولا إجماع ممن يعرف الأشباه والنظائر وفقه معاني الأحكام، فيقيس قياس تشبيه وتمثيل، أو قياس تعليل وتأصيل؛ قياساً لم يعارضه ما هو أولى منه، فإن أدلة جواز هذا للمفتي ولغيره والعامل لنفسه، ووجوبه على الحاكم والإمام أشهر من أن تذكر هنا» (١).

وكلام ابن تيمية وإن كان في الاجتهاد الفقهي، فإنه ينطبق على تفسير القرآن الكريم من باب أولى، ذلك أن المفسر حين يقيد فهمه للقرآن بضوابط التفسير، ولا يأتي بما يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا مانع من اجتهاده في ترجيح رأي على آخر، أو استنباط معانٍ لم يذكرها من سبقه.

ومن أجل ذلك أصبح من هو أقرب إلى العلم الصحيح، وإلى الكتاب والسنة أعظم فهماً لنصوصهما وأسد رأياً، وأقرب إلى الصواب من غيره، وللصحابة الحظ الأوفر من ذلك، ولما ذكر ابن القيم أنواع الرأي المحمود ذكر من أنواعه رأي الصحابة لأنهم أفقه الأمة، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأصحها قصوداً، وأكملها فطرة، وأتمها إدراكاً، وأصفاها أذهاناً، وهم الذين شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونسبة رأي من بعدهم إلى رأيهم كنسبة قدرهم إلى قدرهم، ثم ذكر مقولة الشافعي في الصحابة، وأنهم عرفوا من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما جهلنا، فهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به، وأن آراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ثم قال ابن القيم: «والمقصود أن أحداً ممن بعدهم لا يساويهم في رأيهم، وكيف


(١) إقامة الدليل على إبطال التحليل ضمن الفتاوى الكبرى (٣/ ٢٠٠).

<<  <   >  >>