وفي مقابل نفور الصحابة والتابعين عن التفسير بالرأي نجد آثاراً أخرى عنهم تدل على أخذهم بالرأي وعملهم به، وفي بعضها حث على الاجتهاد وإعمال الرأي، فهل يعني أن ما جاء عنهم من ذم الرأي وعيبه لم يكن صحيحاً لمعارضته العمل بالرأي، أو أنه كان في وقتٍ، ثم استقر رأيهم بعد ذلك على جوازه، وهل يتصور أن يعيب أحد الصحابة والتابعين الرأي وينتقده، ثم يعمل به؟ .
والواقع أنهم يريدون بما فعلوه غير ما ذموه، وكلامهم في ذم الرأي والتحذير منه باقٍ على حاله، لكنه خاص بحالة معينة، وقد جمع العلماء بين عمل الصحابة والتابعين بالرأي وتحذيرهم منه؛ مبينين أنه لا تعارض في ذلك، فإن الرأي نوعان:
رأي محمود، وعليه تحمل النصوص التي تفيد العمل بالرأي.
ورأي مذموم وعليه تحمل النصوص التي ذمت الرأي وحذرت منه.
والمقصود بالرأي المحمود والذي جاءت الشريعة بإقراره ما لا يتعارض مع النصوص والقواعد الشرعية، فالمفسر حين يجتهد في بيان معنى آية قرآنية يجعل الأصول والقواعد الشرعية أمام ناظريه فلا يتجاوزها، بل يدور في فلكها ويتقيد بضوابطها.
يقول ابن تيمية مقرراً هذا الأمر: «ومعلوم أن هذه الآثار الذامة للرأي لم يقصد بها اجتهاد الرأي على الأصول من الكتاب والسنة والإجماع في حادثة لم توجد