وقد يبدو هذا متعارضاً مع ما جاء عن الصحابة والتابعين - وتقدم بعضه - أنهم جادلوا غيرهم في القرآن وغيره، فلا بد من معرفة الحد الفاصل بين ما انتقدوه وذموه وبين ما فعلوه، فهم حين ينتقدون الجدال في القرآن، أو يسوغونه ويفعلونه ينطلقون من مبررات وأهداف صحيحة، فينبغي حمل كل حالة على ما يليق بها:
الجدال المذموم:
جنس المناظرة والمجادلة من حيث الأصل فيها المحمود والمذموم، والحق والباطل، ولذا فهي تمدح وتذم بحسب مقاصدها وأهدافها (١).
وتنقسم الأهداف والمقاصد التي من أجلها انتقد الصحابة والتابعون الجدال في القرآن إلى قسمين:
القسم الأول: أهداف ومقاصد تعود إلى الموافقين، كالخشية من إفساد عامتهم، فإن الحق إذا كان ظاهراً يعرفه كل أحد، فأتى بعض من في قلبه مرض ليصرفهم عنه ويدعوهم إلى بدعته، فالواجب حينئذٍ منعه من تحقيق غرضه ورده وزجره عن ذلك، وعدم إفساح المجال له، وتمكينه من التأثير في الناس، وعرض شبهه في القرآن على عامتهم عن طريق المناظرة والمجادلة، وقد يكون فيهم من لم يكن سمع بها من قبل، وليس لديه من العلم والإيمان ما يدفع بها تلك الشبه، ويزداد الخطر على العامة إذا رأوا من المناظر ضعفاً في الحجة، أو انقطاعاً في