المناظرة، وعلى هذا يحمل ما جاء من النهي عن المناظرة والمجالسة والمحادثة.
ولهذا السبب الأخير فقد يعود الضرر على المناظِر نفسه، فإنه إذا كان ضعيف العلم بالحجة لم يؤمن إفساد المبطل له، وتقدم قول أبي قلابة لما نهى عن مجالستهم ومناظرتهم:«فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون».
القسم الثاني: مقاصد تعود إلى المخالفين، كأن لا يكون هناك فائدة مرجوة من مجادلتهم، بأن يظهر منهم العناد والمكابرة، وعدم قبول الحق بسبب اتباع الهوى أو فساد الإدراك، ولذلك يقيد السلف النهي عن المناظرة بمناظرة أهل الأهواء وجدال المنافق كما سلف، وهذان الصنفان ليس دافعهما في المجادلة الرغبة في الوصول إلى الحق، والفهم الصحيح لكتاب الله، وإنما الهوى والرغبة في التأثير في الخصم (١).
وقد يقع بين أهل الحق في مناظراتهم شيء مما يقع من أهل الباطل، حين يخرج الجدل عن إطاره الشرعي، فيقع بعض المتجادلين تحت تأثير حب الظهور على خصومه ومغالبتهم، ومحبة انقطاعهم في المناظرة، وقد يدعوه انتصاره لنفسه إلى الإصرار على فهمه والمنافحة عن رأيه، وقد يقع فيما هو أعظم من ذلك، فيرد الحق
(١) انظر فيما سبق: الإبانة "الإيمان" (٢/ ٤٧٠)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (١/ ١٧) وما بعدها، والفقيه والمتفقه (١/ ٥٥٦)، ودرء تعارض العقل والنقل (٧/ ١٧٢، ١٧٣).