للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= «وسرُّ المسألة: أن طريق الفقر والتقلل طريق سلامة مع الصبر، وطريق الغنى والسَّعَة في الغالب طريق عطب.
فإن اتَّقى الله في ماله، ووصل به رحمه، واخرج منه حق الله -وليس مقصوراً على الزكاة، بل من حقه إشباع الجائع، وكسوة العاري، وإغاثة الملهوف، وإعانة المحتاج والمضطر- فطريقه طريق غنيمة، وهي فوق السلامة.
ومَثَل صاحب الفقر كمثل مريض قد حُبِس بمرضه عن أغراضه، فهو يُثاب على حسن صبره على حبسه. وأما الغني فخطره عظيم في جمعه وكسبه وصرفه. فإذا سلم كسبه وحسن أخذه من وجهه وصرفه في حقه، كان أنفع له.
فالفقير كالمتعبِّد المنقطع عن الناس، والغني المنفق في وجوه الخير كالمعين والمعلم والمجاهد.
والمقصود بهذا الفصل، أنه ليس الفقراء الصابرون بأحق به - صلى الله عليه وسلم - من الأغنياء الشاكرين، وأحقُّ الناس به أعلمهم بسنته، وأتبعهم لها، وبالله التوفيق» .
قال أبو عبيدة: ونختم كلامنا على هذه المسألة بملاحظات:
الأولى: كلام ابن تيمية في (التفضيل) هو (التفصيل) . نقله عنه تلميذه البار ابن القيم، وتقدم ذلك عنه، ونحيل الأخ القارئ على «مجموع الفتاوى» (١١/٢١، ٦٩، ١١٩-١٢١، ١٩٥) ، و (١٤/ ٣٠٥-٣٠٦) ، فانظره فإنه مفيد.
الثانية: أخرج أبو نعيم في «الحلية» (٧/٢٨٣) أثراً فيه بيان الخلاف في هذه المسألة، وهو أقدم ما وقفت عليه فيها، مع التنويه إلى أنّ ابن تيمية قال في «مجموع الفتاوى» (١١/١١٩) : «وأما الصحابة والتابعون فلم يُنقل عنهم تفضيل أحد الصنفين على الآخر» .
أخرج ابن المبارك في «الزهد» (رقم ٥٦٤) ، وعبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد» (ص ٢٧٣) ، وابن الأعرابي في «الزهد» (رقم ٩٠) بسنده إلى الفضل بن ثور قال: قلت لأبي سعيد
-يعني: الحسن البصري-: رجلان طلب أحدهما الدنيا بحلالها، فوصل بها رحمه، وقدم فيها لنفسه، ورجل رفض الدنيا؟ قال: أحبهما إليّ الذي رفض الدنيا. قلت: يا أبا سعيد هذا طلبها بحلالها، فأصابها، فوصل بها رحمه، وقدم فيها لنفسه. قال: أحبهما إليَّ الذي جانبها.
وأسند أبو نعيم في «الحلية» (٧/٢٨٣) : «عن عمر بن السكن قال: كنتُ عند سفيان بن عيينة، فقام إليه رجل من أهل بغداد فقال: يا أبا محمد! أخبرني عن قول مطرِّف: لأن أعافى فأشكر أحبُّ إليَّ من أن ابتلى فأصبر، أهو أحبُّ إليك أم قول أخيه أبي العلاء: اللهم رضيتُ لنفسي ما رضيتَ لي؟
قال: فسكت سكتة ثم قال: قول مطرِّف أحبُّ إلي. فقال الرجل: كيف وقد رضي هذا لنفسه ما =

<<  <   >  >>