للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: يحرُم أيضًا. وهو أشبه بكلام أحمد (١)، لأنَّ الرخصة إنما جاءت في اليسير الذي هو مقدار أربعة أصابع، وفي الخِّز، فألحقنا بذلك ما إذا كان الحرير هو الأقلّ، لأنَّ الحكم للأكثر. أمَّا إذا تساويا فأحاديث التحريم تعُمُّه، ولم يجئ فيه رخصة. ولأنه قد تعارض المبيح والحاظر، فغُلِّب الحاظرُ (٢)، كالمتولِّد من بين ما يؤكل وما لا يؤكل.

والآخر: يُكرَه، ولا يحرُم؛ لما روى ابن عباس قال: إنما نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المُصْمَت من الحرير. قال ابن عباس: فأمَّا العلَم من الحرير وسَدَى الثوب، فلا بأس به. رواه أبو داود (٣) وأحمد واحتجَّ به. ولأنه قد تعارض الحاظر والمبيح فيرجع إلى الأصل، وهو الحِلُّ. وإذا شككنا هل هو من القسم المباح أو القسم المحرَّم كُرِه لُبسُه، ولا يثبت التحريمُ بالشكِّ.

وجعل بعضُ المتأخرين من أصحابنا المُلحَم (٤) والقَسِّيَّ والخَزَّ (٥) من


(١) ومثله في «اختيارات ابن اللحام» (ص ٧٥)، ونقل في «تصحيح الفروع» (٢/ ٦٧) عن كتابنا هذا قوله: «الأشبه أنه يحرم لعموم الخبر».
(٢) في الأصل: «الحظر»، والمثبت من المطبوع.
(٣) برقم (٤٠٥٥)، من طريق خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
قال الزيلعي في «نصب الراية» (٤/ ٢٣١): «خصيف بن عبد الرحمن ضعفه غير واحد»، وكذا قال ابن كثير في «تحفة الطالب» (٥٢). وصححه ابن الملقن في «تحفة المحتاج» (١/ ٥٣٧)، والألباني بشواهده في «إرواء الغليل» (١/ ٣١٠).
(٤) فسَّر في «جمهرة اللغة» (٢/ ١٠٦٥) «السِّيَراء» بقوله: «ضرب من الثياب، يقال إنه الذي يسمَّى المُلْحَم». وفي «كشاف القناع» (١/ ٢٨١): «الملحم: ما سُدِي بغير الحرير وألحِمَ به».
(٥) في «الإقناع» مع «الكشاف» (١/ ٢٨١): «هو ما سُدي بإبريسم وأُلحم بوبر أو صوف ونحوه». وانظر ما يأتي (ص ٣٠٥) أن الخزّ اسم لثلاثة أشياء.