للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا السبب -وهو الخوف من التلاعب بها- عمد بعض الرواة إلى كتبه فدفنها أو أحرقها، أو غسلها، خشية أن تقع في يد من لا يعرف قيمتها أو يزورها، ومنهم من كان يوصي بذلك بعد موته (١)، قال الذهبي بعد أن ذكر عن شعبة بن الحجاج أنه أوصى بغسلها: "هذا قد فعله غير واحد، بالغسل، وبالحرق، وبالدفن، خوفا من أن تقع في يد إنسان واهٍ يزيد فيها أو يغيرها" (٢).

وقد يقع ذلك -وهو التغيير في الكتاب- بسبب حادث، كما في قصة أحمد بن عمر الوادي، انهدمت داره، وتقطعت الكتب، واختلطت عليه، فصار يخطئ من كتابه (٣).

وحفظ الصدر لا يعتريه حين التحديث به والنقل منه ما يعتري التحديث والنقل من الكتاب، ولاسيما حين الكبر وضعف البصر، إذ يعتري التحديث من الكتاب أو النقل منه الخطأ في قراءة بعض الكلمات، وانتقال البصر من إسناد حديث أو متنه إلى إسناد أو متن حديث آخر، وهو ما يعرف بسبق النظر، وقد تقدم شيء من ذلك في الكلام على الفرق بين أصول الرواة العتيقة وبين كتبهم الجديدة ومصنفاتهم في المبحث الأول من هذا الفصل.

روى معاوية بن صالح قال: "قال يحيى (يعني ابن معين) يومًا لرجل ذاكره بحديث من حديث سفيان، عن الزبير بن عدي، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلت المرأة خمسها ... "، فقال: من حدث بذا؟


(١) انظر: "العلل ومعرفة الرجال"١: ٢١٥.
(٢) "سير أعلام النبلاء"٧: ٢١٣، ٢٢٣.
(٣) "الضعفاء الكبير"٣: ٢٦٧.

<<  <   >  >>