استخدم الأئمة عددا من الوسائل في سبيل حكمهم على الرواة، وهي وسائل دقيقة جدا، لم تترك جانبًا في الراوي إلا وتطرقت له، فهي في النهاية تقود إلى حكم سليم يليق بحال الراوي.
وما من شك في أن هذه الوسائل متى تعاضدت أو أكثرها عند الناقد في راو من الرواة سهل عليه إصدار الحكم، ولم يجد من يخالفه، وهذا تفسير اتفاق الأئمة على الراوي وأنه ثقة، أو ضعيف، أو متروك الحديث، أو كذاب، فسببه إذن هو أن وسائل الحكم عليه قادت النقاد إلى ما توصلوا إليه.
غير أن الأمر ليس بهذه السهولة دائما، إذ يحصل كثيرا أن يفقد الناقد وسيلة للحكم على الراوي، وربما استمر ذلك، وربما عَثَر عليها فيما بعد، وقد يجدها غيره من النقاد، وقد تتوافر وسائل في الحكم عليه، لكنها تتعارض، فيحتاج الناقد إلى موازنة دقيقة، قد يخالف فيها، بل قد يختلف رأيه هو في الراوي الواحد.
ومن جهة أخرى فالرواة كثيرون جدا، لا يجمعهم عصر واحد، متفرقون في البلدان، وأحاديثهم من الكثرة والتفرق فوق ما يصفه الواصف، ثم هم بشر، يعتريهم التأثر بالزمان، والمكان، والإقامة والسفر، وكافة العوامل البيئية والاجتماعية المحيطة بهم، وحينئذٍ فيحتاج بعض الرواة إلى تفصيل الحكم فيه، فكأنه عدد من الرواة، ويستلزم ذلك من الناقد سبر تفاصيل حياة الراوي، وتنقلاته، وأسفاره، وإن كان معاصرًا له احتاج إلى مراقبته طول حياته، لتسجيل ما قد يطرأ عليه من تغيير قوة أو ضعفًا.