من المهم جدا بالنسبة للباحث أن يكون على معرفة بالوسائل التي استخدمها أئمة الجرح والتعديل لإصدار أحكامهم على الرواة، في عدالتهم وضبطهم، أولا ليدرك قدر الجهد الذي بذله هؤلاء الأئمة، ودقة المعايير التي استخدموها لتحقيق ذلك، فيزداد ثقة بأقوالهم وأحكامهم، وثانيا ليعرف القدر الذي يمكن أن يشارك الأئمة فيه، فقد يحتاج إلى ذلك في موازنته بين أقوال النقاد، وقد يحتاج إليه في رواة لم يصلنا كلام النقاد فيهم.
فمن الطرق التي سلكها الأئمة:
أولا: التأمل في أفعال الراوي وتصرفاته، والنظر في سيرته، فيستدل بذلك على ما وراءها، من صدق أو كذب.
فقد أولى الأمة سير الرواة قدرا كبيرا من الاهتمام، فوصفوا رواة بالعبادة، والزهد، والورع، والتحري في الرواية، بما يخدم جانب الوثوق برواياتهم وصدقهم، وعدم تعمدهم للكذب، وشحنت كتب الجرح والتعديل بهذه الأخبار، فالغرض منها إذن غير دخيل على (علم الجرح والتعديل)، بل هو من صميمه، فقراءة سيرة مثل عروة بن الزبير، ومحمد بن سيرين، والأعمش، ومالك، وشعبة، وسفيان الثوري، ويحيى القطان، ووكيع، وأحمد، وابن معين، ونحوهم من الأئمة المشهورين، والاطلاع على أحوالهم- هي التي أورثت طمأنينة القلب إلى صدقهم، وتحريهم في الرواية، وهذا أمر ظاهر لا خفاء فيه.