للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك الأمر في غيرهم من الرواة، فقول يحيى بن معين عن شيخه عبدة بن سليمان: "كان عبدة بن سليمان صبورا، على ما كان فيه من الجَهْد، ولقد رأيت عليه جُبَّة فَرْو ليس عليه قميص ... ، وقد اشترى جزرًا، وقد حمله في طرف ردائه، ثم جاء فرآنا ونحن قعود على الباب، فقال: كلو رحمكم الله، كلوا عافاكم الله، فكان ذاك الجزر يقوته" (١) - إنما قصد به يحيى تعظيم شأن عبدة، وبيان ورعه وصبره على الفقر والحاجة، وكرمه.

وقال عمرو بن علي الفلاس: "جاءني عفان في نصف النهار فقال لي: عندك شيء نأكله؟ فما وجدت في منزلي خبزا ولا دقيقا، ولا شيئا يُشُتَرى به، فقلت: إن عندي سَوِيْق شعير، فقال لي: أخرجه، فأخرجت له من ذلك السَوِيْق، فأكل أكلا جيدا، فقال: ألا أخبرك بأعجوبة؟ شهد فلان وفلان عند القاضي -والقاضي يومئذ معاذ بن معاذ العنبري- بأربعة آلاف دينار على رجل، فأمرني أن أسأل عنهما، فجاءني صاحب الدنانير فقال لي: لك من هذا المال الذي لي على هذا الرجل نصفه -وهو ألفا دينار- وتعدل شاهِدَيَّ، فقلت: استحييت لك -وشهوده عندنا غير مستورين-، قال: وكان عفان على مسألة معاذ بن معاذ" (٢).

وقريب من هذه الحكاية ما رواه العجلي قال: "عفان بن مسلم الصَّفَّار، يُكْنَى أبا عثمان، ثقة ثبت، صاحب سنة، كان على مسائل معاذ بن معاذ القاضي، فَجُعِل له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل، فلا يقول: عدلا، ولا غير عدل، قالوا له: قف عنه، لا تقل فيه شيئا، فأبى


(١) "معرفة الرجال"٢: ٣١.
(٢) "تاريخ بغداد"١٢: ٢٧٠، و"تهذيب الكمال"، و"سير أعلام النبلاء"١٠: ٢٤٣.

<<  <   >  >>