كما أن الراوي إذا روى شيئا -وإن قل- قد جعل نفسه عرضة لنقد النقاد، فقد يصوبونه أو يخطئونه، وربما اتهموه- فالناقد له كذلك، قد نصب نفسه عرضة للنقد والمساءلة، ويتم ذلك على صفتين، الصفة الأولى: حال الناقد في عموم نقده، ومنزلته، وقيمة ما يصدره من أحكام، وهذه سيأتي الحديث عنها في الفصل الثالث (ضوابط النظر في أحكام النقاد على الرواة)، والصفة الثانية: تتبع الأحكام الجزئية التي يصدرها الناقد على الرواة من قبل غيره، وقد يفعل هذا الراوي نفسه، يدافع عما رمي به من خطأ، أو اتهم به من كذب، وقد يكون من نقاد آخرين، معاصرين للناقد الأول، أو ممن جاء بعده.
فالعالم الإسلامي باتساعه يمثل محكمة للرواة، والراوي متى تصدى للرواية فالأمة ستحاكمه، أصاب أم أخطأ؟ صدق أم كذب؟ يقوم مقام الأمة في ذلك النقاد، ولما كانوا هم أيضا بشرا يصيبون ويخطئون، وقد يظن الواحد منهم استكماله لوسائل نقد الراوي فيصدر حكمه، ولا يكون الأمر كذلك- كانت أحكامهم أيضا عرضة للمراجعة والنقد، فلا محاباة لأحد، ولا تجنٍّ على أحد، وكل سيأخذ حقه في النهاية، كما قال الذهبي:"هذا الدين مؤيد محفوظ من الله تعالى، لم يجتمع علماؤه على ضلالة، لا عمدا ولا خطأ، فلا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة"(١).
ولا أراني بحاجة إلى التنبيه على أن نقد النقد ربما أَجْدَى شيئا،