وما تقدم كله أدى إلى خلط الأوراق، ومنع من القول بأن رواية بعض الرواة عن الراوي تقوية له، وتركهم الرواية عن الراوي تضعيف لحديثه.
والجواب عما تقدم التسليم بما ذكر، فهي حقائق لا مراء فيها ولا جدال، لكنه لا يلغي أن الأصل أن رواية هؤلاء عن رجل تقوية له، وترك الرواية عنه تضعيف له، وإنما يقيدها، وبيان ذلك أن الواحد منهم إذا روى عن ضعيف أو متروك الحديث فهو على صفتين:
الأولى: أن يكون مع روايته عنه يذهب إلى تقويته، وينقل عنه ذلك قولا، فهذا كثير جدا، وهو خارج عما نحن فيه، إذ هو لا يراه بحال من يتجنب حديثه ويترك، وإن كان يخالف غيره من النقاد في هذا الحكم.
والناقد مجتهد، لا يقلد غيره وهو باستطاعته الاجتهاد، وقد يقوي بعض من يضعفه أو يتركه غيره من النقاد، وربما دافع عنه، فلا يتبين له فيه ما تبين لغيره، كما قال أحمد حين سئل عن رواية شعبة، عن موسى بن عُبَيْدة الرَّبَذي، قال الجوزجاني:"قال أحمد: لا يحل الكتاب عنه، قلت: قد روى عنه سفيان، وشعبة يقول: حدثنا أبو عبد العزيز الرَّبَذي؟ فقال: لو بان لشعبة ما بان لغيره ما روى عنه"(١).
وقد قيلت هذه الكلمة في حق أحمد أيضا، فقد كان هو وابن معين يقويان محمد بن حُمَيْد الرازي، ويرويان عنه، ووافقهما على ذلك