للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونشر أحد الباحثين رسالة في مسألة فقهية، أكثر فيها من الدراسة النقدية للأحاديث والآثار، فوقع في أغلاط عديدة، منها أنه ساق أثرا من طريق عبد الله بن نُمَيْر، وهُشَيْم، كلاهما عن عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، ثم قال في نقده: "رجاله ثقات، وفيه عنعنة ابن جريج، وهو مدلس، لكن عنعنته عن عطاء مقبولة، لكونه مكثرا عنه ... "، كذا صنع الباحث، وعبد الملك المذكور إنما هو عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمي الكوفي، وليس عبد الملك بن جريج.

هذه بعض النماذج من الأوهام في الخلط بين الرواة وغيرهم من الأعلام، وتركت نماذج أخرى اختصارا، وفي بعضها أوهام فاحشة تعمدت ترك ذكرها حفاظا على ماء وجوهنا نحن الباحثين.

ثم إن غرضي من سرد النماذج السابقة أن يدرك القارئ أمورا ثلاثة:

الأول: أن الوقوع في مثل ذلك أمر معتاد، وقع فيه أئمة كبار، فلا ينبغي أن يستوحش الباحث إذا صدر ذلك منه، وقد رأيت امتعاضا من بعض الباحثين والباحثات حين تنبيههم على ما وقع منهم، وقالت لي إحدى الباحثات بالحرف الواحد: "كيف يليق بمن يعد رسالة دكتوراه أن يخلط بين راو وآخر وهما في الأصل متميزان؟ ".

وكون هذا أمرا معتادا لا عيب فيه مشروط بأن لا يكثر صدوره من الباحث، فإذا كثر منه فهو عيب ولا شك، وكذلك هو عيب -وإن قل- إذا كان الخلط بين رواة أو أعلام متميزين جدا في القضية المعينة التي بين يدي الباحث، فلم يكن هناك سبب يوجب اللبس، ومثله إذا صاحبه عيوب أخرى في البحث والدراسة اجتمعت فأفقدت صاحبها الهيبة

<<  <   >  >>