يقدمون عليها القاعدة الفلانية، ونحو ذلك، بغض النظر عن إقامة الدلائل على صحة القاعدة، أو صحة الرأي المطروح، فالباحث حينئذٍ ملزم بإقامة الدليل على أنهم يفعلون كذا، لا أن دليل ما يفعلونه هو كذا، وهناك فرق جوهري بين الأمرين.
ولما تقدم فإن المسئولية الملقاة على عاتق الباحث الذي يتصدى للكتابة في قواعد النقد تعظم، وهو بعد مراعاته للأمور السابقة يلزمه أن يتوج ذلك بأن يتحلى بالأدب العلمي، فيضع في ذهنه دائمًا أن الرأي الذي يطرحه محتمل للخطأ كما هو محتمل للصواب، فلا يجزع إذا وجه غيره إليه انتقادًا، ولا يأنف من الرجوع عن الخطأ متى تبين له الصواب.
هذه إلمامة سريعة بمعالم هذا المنهج، وهو محتاج إلى كتابة خاصة فيه، توضحه وترسخه، وفوق ذلك هو بحاجة أيضا إلى تطبيق عملي، بحيث يتم تنزيله على أرض الواقع، فالدعوى تظل دعوى حتى تقام عليها البينة.
وقد رأيت مستعينا بالله سبحانه وتعالى أن أساهم بقدر استطاعتي بالكتابة في قواعد هذا الفن ومسائله، ملتزما ما استطعت إلى ذلك سبيلا بالمنهج الذي اقترحته، مدركا أن هناك جما غفيرا من المشايخ والباحثين هم أحق مني بالكتابة، ولكن هذا جهد مقل، فعسى أن أتحف القارئ بفائدة علمية من هنا أو هناك.
وما أكتبه سيكون -بإذن الله- في أجزاء متسلسلة، الأول في (الجرح والتعديل)، والثاني في (اتصال الإسناد وانقطاعه)، والثالث في (مقارنة المرويات)، والرابع في (أئمة النقد وكتبهم) والخامس في (مباحث متفرقة في نقد السنة).