للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المدارك الشرعية للأذهان وخفاءها عنها أمر لا ينضبط طرفاه، لا سيما إذا (١) كان التارك للحديث معتقدًا أنه قد ترك العمل به المهاجرون والأنصار من أهل المدينة النبوية، الذين يقال: إنهم لا يتركون الحديث إلا لاعتقادهم أنه منسوخ أو له معارض راجح، وقد بلغ مَن بعده أن المهاجرين والأنصار لم يتركوه، بل عمل به طائفة منهم أو من سمعه منهم، ونحو ذلك مما يقدح في هذا المعارض.

[جواب ثانٍ]

وإذا قيل لهذا المستهدي المسترشد: أنت أعلم أم الإمام الفلاني؟

كانت هذه معارضة فاسدة؛ لأن الإمام الفلاني قد عارضه في هذه المسألة من هو نظيره من الأئمة، فكما أن الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النزاع، وإذا تنازعوا في شيء رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع أخر؛ فكذلك موارد النزاع بين الأئمة، وقد ترك الناس قول عمر وابن مسعود في مسألة تيمم الجنب، وأخذوا بقول من هو دونهما، كأبي موسى الأشعري وغيره لمَّا احتج بالكتاب والسنة (٢)،

وتركوا


(١) في (أ): إن.
(٢) أخرج البخاري (٣٤٦)، ومسلم (٣٦٨)، من حديث شقيق بن سلمة، قال: كنت عند عبد الله وأبي موسى، فقال له أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء، كيف يصنع؟ فقال عبد الله: لا يصلي حتى يجد الماء، فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يكفيك» قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك، فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية - يعني: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} كما في رواية مسلم-؟ فما درى عبد الله ما يقول، فقال: إنَّا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم، فقلت لشقيق: فإنما كره عبد الله لهذا؟ قال: «نعم» ..

<<  <   >  >>