فإن قال: قِصَرِي وقلة علمي تَحْمِلُني على التقليد.
قيل له: أما مَن قلَّد فيما يَنزِل به أحكام شريعة عالمًا يُتَّفَق له على علمه، فيَصدُرُ ذلك عما يخبر به فمعذورٌ؛ لأنه قد أتى ما عليه، وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولا بد له من تقليد عالم فيما جهله؛ لإجماع المسلمين أن المكفوف يُقلِّد من يَثِق بخبره في القبلة؛ لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك.
ولكن من كانت هذه حاله، هل يجوز له الفتوى في شرائع دين الله، فيَحمِل غيره على إباحة الفروج، وإراقة الدماء، واسترقاق الرقاب، وإزالة الأملاك يُصَيِّرها إلى غير من كانت في يده بقولٍ لا يُعرَفُ صحته، ولا قام له الدليل عليه، وهو مُقِرٌّ أن قائله يُخطِئ ويُصيب، وأن مخالفه في ذلك ربما كان المصيب فيما يخالفه فيه؟
فإن أجاز الفتوى لمن جهل الأصل والمعنى؛ لحفظه الفروع؛ لزمه أن يجيزه للعامة، وكفى بذلك جهلًا وردًّا للقرآن، قال الله عز وجل:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، وقال تعالى:{أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}.
وقد أجمع العلماء على أن ما لم يُتبيَّن ولم يُستَيقَن فليس بعلم، وإنما هو ظن، والظن لا يغني من الحق شيئًا).