سرورهم لم يطل، ولم يلبثوا أن رأوا بليّة جديدة: بلاغ رسمي يخوّل المدارس الأجنبية حق إعطاء شهادة مقبولة كالبكالوريا ويَحْرم المدارس الوطنية من هذا الحق، فكانت النتيجة أن تسجل ثلث طلاب التجهيز في تلك المدارس، وربما لحقهم الثلث الآخر عما قريب.
حقاً إنكم لم تعلموا هذا، لأنكم نائمون لا تعرفون شيئاً! إذن فقد خسرنا «التجهيز». وأما المدارس الأهلية فهي على قسمين: ناجحة ومقصِّرة؛ فالناجحة لا تفترق إلا قليلاً عن المدارس التبشيرية، ولا يغرّنَّ الناسَ أن فيها الشيخ عَمْراً أو العلاّمة زيداً، فهؤلاء فيها إنما يُقدَّمون ليُصرَعوا وليكونوا جُنَّةً تَرُدّ عن المدرسة سِهامَ النقد! ومن كان في شك مما أقول فلينظر من يعلّم، بل من يربي أطفالَ المسلمين فيها، الأطفال الذين هم أنقى من الصفحة البيضاء يرتسم في نفوسهم كل ما يلقى عليهم، إنما تربّيهم امرأة، نصرانية أو يهودية ... لا أدري! وما لنا ولهذا؟ أخبروني: أليس لسان المدرسة الرسمي هو اللسان الإفرنجي، أليست دروس الفقه والقرآن فيها سُخرية ولعباً؟
أنا لا أحمل على هذه المدارس لغرض في نفسي، وإنما أتهمها بأشياء هذا بعضها، فلتبرّئ نفسها إذا استطاعت، وأنا أُسَرّ أن أكون كاذباً وأن تكون صادقة إذا كان في كذبي وصدقها صلاح مدرسة يعود صلاحها على الأمة بالنفع العميم. على أنها معذورة فيما تفعل، لأنها تقبض من أجله من السلطة ألوف الفرنكات في العام، فهل يعطيها ربعَها المسلمون إذا هي أرضتهم وأحسنت إلى دينهم؟!