لما كنت في مكة في العام الماضي زرت المعهد السعودي (وهو في الحجاز بمثابة المدرسة التجهيزية في الشام)، وكان معي مدير المعارف الحجازية، فدار بي على الصفوف وأراني الدروس، فسمعت المحاضرات وسألت الطلاب، فما وجدت إلا علماً صحيحاً وأذهاناً جديدة، ورجولة كاملة وعروبة صادقة. ولقد سألت -فيمن سألت من الطلاب- فتى أدهشني بسرعة جوابه واستقامة منطقه وكثرة أدبه، فسألت مَن هو لأعرف عن أيّ دَوْحة تفرّع هذا الغصن، فإذا هو ابن الأمير فيصل، نائب الملك عبد العزيز في الحجاز. وإذا في المدرسة كثير من أبناء الملك وأحفاده، لا يفرّقهم عن أصغر ولد من أبناء العامة فارق ولا تميّزهم منهم ميّزة، فسررت مما رأيت، وخطبت المدرّسين والطلاب خطبة شكرت فيها وأثنيت، وذكّرت وأنذرت، وقايَسْت وبيّنت، ثم صافحت أقرب معلم إليّ عن إخواني المعلمين في الشام وأدنى تلميذ مني عن إخوتي الطلاب في دمشق، وانصرفت.
فلما كان بعد أيام أقبل علينا ونحن في فندق مكة الرسمي