أحمَدُ الله أن قدرت على مقالة واحدة أكتبها راضياً قريرَ النفس لا ساخطاً ولا متذمراً، وقد كان ما أكتب بنفثات المصدور وأنّات الحزين أَشْبَه.
وكيف يرضى كاتبٌ يلقي بصره على كل مكان وبداخل كل إنسان، فلا يرى -حيثما سار وأنّى تلفّتَ- إلا الشقاء والآلام والمصائب والرزايا؟ هَلُمَّ أذهب بك حيث تريد أن أذهب بك، وأسايرك من مطلع الشمس إلى مغيبها، ومن جنوب المدينة إلى شمالها، فإن وجدتَ في كل ما ترى غير ما أقول فلك حكمك!
وما أرى لنا مثلاً إلا صِبْيَة صغاراً مقيمين في دار ... لا، أخطأت، بل هم نائمون والدار تأكل جوانبَها النيرانُ وتندلع في أركانها ألسنةُ اللهيب، فلا يحسّون ولا يفيقون حتى تلعب في سرابيلهم وأجسامهم، وإذن لا يفيدهم حسُّهم فتيلاً ولا ينفعهم شيئاً.
لقد أحاطت بنا الأرزاء واتفقت علينا الحوادث، فدخلت
(١) في جريدة «القبس» بتاريخ ٢٩/ ١١/١٩٣٠ (٨ رجب ١٣٤٩).