نفضت يدي من آمالي، وجلست على شاطئ الماضي أستعرض هذه الآمال التي لفّها العدم بضبابه الكثيف وهي تمر بي كما يمر فلم من أفلام السينما، مغسولةً صفحاتُها بماء قلبي الذي صببته عليها من عيني يوم ودعتها، فأراها تتغلغل في الظلام ليلقيها القدر في هوة الفناء، ونظرت إلى الأمام فلم أرَ فيه إلا ظلاماً حالكاً، فأخذت قلمي لأكتب صفحة جديدة من سِفْر الأحزان.
وما سفر الأحزان إلا مذكراتي التي تصف آلام «ابن العشرين»، والتي نشرتُ بعضاً منها في الصحف فضاع، وحفظت بعضاً منها في الصندوق فتمزق، وأبقيت بعضاً منها في رأسي، فأنستني المصائبُ الجديدة مصائبي القديمةَ فلم يبقَ في رأسي منه شيء ... وهذه هي الصفحة:
(١) نشرت هذه المقالة في العدد الثاني من مجلة «بلاغة الشباب» الصادر في الأول من تموز سنة ١٩٣٢ (٢٦ صفر ١٣٥١).