كنت أعيش بآمالي وأبصر على نورها طريقَ المستقبل الزاهر، وكانت وضّاءة لامعة كصفحة النهار الواضح، وكنت أجهل معنى الكآبة وأبتلع الدنيا كلها بابتسامة ساحرة طَرِبة ...
وتوفي والدي، فبدت سحابة سوداء في آمالي المنيرة، وتألمت وحزنت، ولكني عدت فابتسمت، ولم أيأس لأني أجهل ما هو اليأس.
وعصفت الرياح بآمالي فقذفتني من هنا إلى هناك، وتعبت وسمّاني الناس متقلباً، وسقطت مرة على الشَّوك فخُدشت ذراعي، ووقعت مرة في الماء فابتلت ثيابي، وهدأت الرياح قليلاً فأسفت لما حل بي، ولكني لم أيأس لأني أجهل ما هو اليأس.
وفارقتني أمي، أمي التي أوليتها حبي وصببت ماء قلبي على قدميها، فارقتني إلى الأبد، فنظرت في آمالي، فإذا الظلام قد اشتملها كما يشتمل الليل الدنيا. وطال حزني وحزّ الألم في نفسي، ولكني لم أيأس لأن لديّ مصباحي الخافت يضيء لي موطئ قدمي في هذه الظلمة الحالكة.
وحافظت على المصباح، وحنيت عليه بضلوعي وأحطته بذراعي، ولكن حريتي ودراستي العالية قد أودى بهما اضطراري للعيش، فانطفأ المصباح ... وتعلمت ما هو اليأس!
* * *
عَمَّ الظلام وغطى كل شيء، فلم أعد أرى أو أسمع إلا هذه الكلمة التي يشيّعني بها أصدقائي وخصومي:«مسكين» ...