للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صفة تمكنت من كثير من الأنفس فكانت لها طبعاً وسجيّة، وإن منها لنفس صاحبي الذي حَسِبَ سكوتي عنه رضا بما يقول، فأطال القول واشتد فيه، وأثبت ودلّل وأفصح وأجزل، حتى إذا حسب أنه وفّى كل شيء حقه ولم يدع في البحث مجالاً لقائل سكت وتنفس الصعداء، والتفت إليّ يرقب مني كلمة التشجيع والثناء على حسن بيانه وبلاغة لسانه وحدّة جنانه، فقلت له: أتحسب هؤلاء يُخلصون للعروبة والإسلام ويدافعون عنهما إذا هم صاروا رجال المستقبل وأُلقيت إليهم مقاليد الأمور؟ أتظن هذه المدارس تعمل على خدمة الوطن وتهيئة رجاله العالمين؟ أترى هذا العلم الذي يتلقفه هؤلاء خيراً من الجهل المطبق؟

قلت هذا ولحظته، فوجدته يكاد ينفجر بصيحة إنكار مرعبة تجمع علينا الناس وتقوّض الشارع على من فيه، يقول فيها: أتهين العلم؟ أتحتقر المدارس؟ يا جاهل، يا متعصب، يا رجعي!

فسرت في حديثي ولم أدع له وقتاً يقذف فيه هذه الصيحة المنكرة التي اتخذها أشباهه من الشبان «الناهضين» و «المتنورين» سلاحاً يغمدونه في صدور أمثالنا من الشبان «الجامدين»! تابعت حديثي، ولكني التفتُّ فلم أجد صاحبي لأنه فرّ وانهزم، أو هو - على التعبير الجديد- أعلن استياءه مني بالانسحاب! وقد أراح الله قرّاء هذه الرسائل من حديثه وأخباره، فليسمعوا ما هو أهم منها، وليصغوا إلى ما أحدثهم به، فإني بادئ بصلب الموضوع.

* * *

أشرت في الرسالة الماضية (الرسالة العاشرة من الحلقة

<<  <   >  >>