من تأليف كتاب في الدين يفهمه الناشئون من أبناء المسلمين، فيفهمون حقيقة هذا الدين التي طالما جهلوها وسَخِروا منها لِمَا أنشأتهم عليه مدارس الشيطان من ازدرائه والتهاون به. وإنني دَعِيٌّ في المؤلفين دخيل على المصنِّفين، وإن دون بلوغي هذه المنزلة مراحل ومحطات، ولكنّي برزت ولمّا أنضج وتزبَّبْتُ ولمّا أتحصرم (١) خشيةَ أن يستفحل الداء ويعم البلاء فلا يبقى الحصرم ولا الزبيب!
وإن ذلك لَكائنٌ ما دامت هذه المدارس جادَّة في تكفير الأبناء، مستفيدة من غفلة الآباء، والعلماءُ الذين هم ورثة الأنبياء قد أصبح أكثرهم بعاجل حظه مَشْغوفاً، وصار يرى المعروف منكَراً والمُنكَر معروفاً، فلا يأمر ولا ينهى، حتى ظلّ عَلَم الدين مندرساً ومنار الهدى في أقطار الأرض منطمساً، وأحكام الله تعطَّل جهاراً وحدوده تُتجاوَز علناً. مدارس التبشير تَجِدّ في التبشير، ومدارس البلاد تسوق إلى الإلحاد، وأبناء المسلمين بين مَيّال إلى النصرانية وجاحد بالكليّة، وللأوقاف الإسلامية مالٌ لو صُرف في سبيله لكان لنا منه عشرات الجامعات ومئات
(١) العنب يكون أول ما يكون حصرماً حامضاً، ثم يصير عنباً حلواً، فإذا تُرك جفَّ ماؤه وذبلت قشرته وصار زبيباً. إن التدرج من مرحلة إلى أخرى سنة من سنن الوجود، وليس الإنسان استثناء منها، فهو كذلك لا بد له أن يمر بالبدايات ليصل إلى النهايات، فإذا تخطاها وقفز من فوره إلى النهاية ضربوا له هذا المثل فقالوا: «تزبَّبَ قبل أن يتحصرم». وما أكثر المتزبِّبين ولمّا يتحَصْرَموا في عالمنا، أولئك أنصافُ العلماء وأرباعُ العلماء الذين هم شرٌّ من الجَهَلة والأمّيين! (مجاهد).