للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللهمّ لولا هذا البحر لمضيت مجاهداً في سبيلك حتى أفتح العالم أو أفارقه إلى جنانك! وكان ملكهم -على عظمه وجلاله- يقف بين يدي القاضي مع أحطّ السُّوقَة وأقل الناس، فلا يناديه إلا باسمه ولا يحكم عليه إلا بالحق، لأن الحق فوق الملك، والله فوق الجميع، والله أكبر. وكان الواعظ يدخل على أمير المؤمنين، فلا يزال يعظه ويخوّفه من الله حتى تقطر دموعه من لحيته، ثم ينصرف عنه لا يرزؤه من ماله شيئاً، لأنه دخل لله ولا يبتغي الجزاء إلا من الله.

كان إسلامٌ، فكان عزٌّ، وكان ظفر.

ثم مالوا عن السَّنَن القويم وتنكبوا الطريق المستقيم، فأمر الله الفلك فدار دورته، فإذا العزّ ذل والقوة ضعف، والأسياد خدم والملوك خَوَل! وإذ كل شيء قد ذهب، كأنه سطور خُطَّت على الماء ثم ماج الماء موجةً فمحا كل شيء.

* * *

ألا إن كل ذلك هَيِّن على أمة تشعر وتحس، أما إذا فقدت حسّها وشعورها فقد فقدت كل أمل بنجاحها. وهذا ما كان، وهذا ما تسعى له مدارسنا، وقد نجحت في سعيها فتمّ -أو كاد يتم- صرف أبنائنا جميعاً عن الدين! أضعنا المجد فصبرنا، وخسرنا العز فسكتنا، فإذا كانت الثالثة وفُجعنا بأبنائنا متنا ولم نجد من يندبنا أو يترحّم علينا.

نحن وسط الحريق ولكنّا نائمون، نحن بين الضواري من الوحوش ولكنّا غافلون، نحن على شفا الجحيم ولكنّا ضاحكون لاعبون!

<<  <   >  >>