للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد كان كل ذاك، فاسمع أقصص عليك ما كان: لبثت «التجهيز» عشرات السنين وهي خير معهد علمي في سوريا كلها (١)، حتى ابتلاها الله برجال لا يعرفون إلا الرواتب ونيلها وأولي الأمر وإطاعتهم، ولا يدرون ما هو الواجب وما هو الوجدان، فكان من بركة قدومهم عليها أن استحال تقدمها تأخراً، وازدهارها خموداً، ونجاحها فشلاً، وكانت نتيجة هذا القدوم


(١) مدرسة التجهيز هي الثانوية الرسمية يومئذ، وهي المعروفة باسم «مكتب عنبر»، وفيها درس جدي رحمه الله وأمضى بعضاً من أخصب أيامه وأثراها وأبقاها أثراً في حياته الطويلة من بعد؛ قال: "لقد عشت في هذا المكتب ستّ سنين كانت أحفل سِني حياتي بالعواطف وأغناها بالذكريات، وكانت لنفسي كأيام البناء في تاريخ الدار، لو عاشت الدار بعدها ألف سنة لكانت كلها تَبَعاً لهذه الأيام التي يُرسَم فيها المخطَّط وتُحدَّد الغرف ويُرسى الأساس" (الذكريات ١/ ١٤١). وانظر أخباره فيها في الحلقات ١٣ - ١٦ في الجزء الأول من «الذكريات»، وانظر أيضاً فصل «مكتب عنبر» في'آخر كتاب «دمشق: صور من جمالها وعِبَر من نضالها» وفيه يقول: "لقد عاش مكتب عنبر من أواخر القرن الذي مضى إلى أوائل الحرب الثانية وهو يضم جمهرة المتعلمين في هذا البلد؛ كان هو الثانوية الرسمية المفردة في دمشق، فكان يمرّ عليه كل شاب في دمشق، يدخل إليه ثم يخرج منه، فيعلو في مدارج الحياة أو يغوص في أوحالها، حتى ما تكاد تجد اليوم كبيراً في دمشق ولا صاحب اسم ولا ذا منزلة إلا وقد جاز يوماً بمكتب عنبر". وقد أنشئت التجهيز في «مكتب عنبر» سنة ١٣٠٥ هجرية (نحو سنة ١٨٨٨ ميلادية)، وهو مبنى قديم كبير في دمشق القديمة شرق الأموي، ثم نُقلت سنة ١٩٣٢ إلى المبنى الجديد قرب زقاق الصخر وسميت مدرسة «جودت الهاشمي» (مجاهد).

<<  <   >  >>