لقد أُنسيتُ يا صديقي أن أسألك: كيف أنت؟ وهل أنت مطمئن إلى حياتك ساكن إليها، أم أنت متبرِّم بالعيش ضَيِّق الصدر؟ وهل أنت في مَصِيفك -بين الجبال والأنهار والسهول والمروج- أسعد حالاً مني وأنا غارق في لُجّة المدينة؟ وهل الطبيعة -كما يقولون- سر السعادة وبابها؟ أما أنا فأحسب ذلك خيالاً، وأعتقد أن الإنسان لا ينظر إلى الطبيعة إلا بعين بصيرته. فالرجل المتألم الضَّجِر يرى الطبيعة باكية كابية، والسعيد الطَّرِب يراها باسمة بهيّة، وما تغيرت الطبيعة ولكن نحن تغيرنا! (١)
وإني لأجد مناسبة لأقول لك: ما أشدَّ بلاهَةَ الكتّاب والمعلمين الذين يحسبون الوصف تصويراً، ويريدون ممّن يصف رَوْضة أن يضع لها مخططاً ويكتب لها وصفاً ثابتاً، في حين أن المخطط يدل على الروضة كما هي في ذاتها، والوصف يدل على الروضة كما هي في نفس الواصف ... وشتّان بين من يرى الشيء على الأرض وبين من يراه في مرآة نفسه! ولو كان
(١) في كتاب «صور وخواطر» مقالة عنوانها «السعادة»، بدأها بقصة الفيلسوف الألماني الشهير «كانْت» مع ديك كان يزعجه بكثرة صياحه، فأمر خادمه بشرائه وذبحه ... إلى آخر القصة، وبعدها قال: "فكّرت في هذا الفيلسوف العظيم، فرأيته قد شقي بهذا الديك لأنه كان يصيح وسَعِدَ به وهو لا يزال يصيح، ما تبدّل الواقع، ما تبدّل إلا نفسه؛ فنفسه هي التي أشقته لا الديك، ونفسه هي التي أسعدته. وقلت: ما دامت السعادة في أيدينا فلماذا نطلبها من غيرنا؟ وما دامت قريبة منا فلماذا نبعدها عنا، إذ نمشي إليها من غير طريقها ونَلِجُها من غير بابها؟ ". وهي مقالة لطيفة نافعة فاقرؤوها (مجاهد).