بزغت الشمس، ولكن لا كما تبزغ كل يوم؛ لقد شهدتها -وكنت طفلاً في العاشرة- أكثرَ اتّقاداً وتوهجاً، حتى لقد أضاءت جوانب الزمان فرأيت على نورها جلال مُلْك أميّة الداثر، وأنصتَت الصخور من قاسيون، ووقفَت الأمواهُ من بردى، وسكت كل ما في الكون ليسمع الكلمة الخالدة:«إعلان استقلال سوريا» ... لا، بل «إعلان الاستقلال العربي»!
* * *
إني لأذكر: كان مرفوعاً بألوانه الأربعة على بناء البلدية. خفق، فخفقت معه قلوبُ أمّة في الشام وأمم في الجزيرة والعراق. علا، فرفعوا رؤوسهم فخراً، ثم أحنوها له إعظاماً. بدت ألوانه الأربعة، فكانت رمزاً لأعلام أربعة ركبت هامَ الدهر قروناً (١)، وظهر نجمُه الوضّاء فكان نجم الأمل، نجم الاستقلال، نجم الظفَر.
إني لأذكر: الأعلام العربية، أقواس النصر، أمارات البشائر ... في كل مكان وعلى كل وجه ولسان. شيب وشبّان، رجال ونسوان، بنات وصبيان، في الطرقات وعلى السطوح، تشهد المظاهرات الشعبية وتردد نشيدها ... أصوات تبلغ السماء، هتاف يهزّ الفيحاء، تدافع بالمناكب وتزاحم بالأقدام، هرج ومرج.
(١) قال في «الذكريات» (١/ ٦٧): "ورأينا العلم الأحمر ذا الهلال والنجم الذي عشنا إلى ذلك اليوم تحته قد نزل، ورأينا في مكانه علماً جديداً فيه الألوان الأربعة: الأبيض للأمويين، والأسود للعباسيين، والأخضر للهاشميين، والأحمر ما عدت أدري لمن هو" (مجاهد).