الناس، وأن تزدري الرأي الفائل ولو كان صاحبه أعقل الناس.
فإذا نحن اتفقنا على هذا، وإذا نحن امتنعنا عن الخصومة الشخصية وترفَّعْنا عن السباب والشتائم، تقدمت الحركة الفكرية في البلاد، وولَّدَت هذه المجادلاتُ المنطقية كثيراً من الحقائق. ويجب أن نتعود احترام الحقيقة ولو ظهرت بجانب خصمنا، أما إذا لم يكن شيء من هذا، ولم يمتنع من نخاصمه من التعرض للشخصيات واللجوء إلى غير الردود المنطقية، فإنّا لا نرى بداً من الدفاع عن أنفسنا بمثل هذا الأسلوب.
ولا يجب أن يقتصر هذا التعديل في سير مجادلاتنا على السياسة وحدها، بل يتعداها إلى الأدب أيضاً، فالبَلِيّة فيه تكاد تكون أشمل، وذلك أن الحركة الأدبية -على الرغم من ضعفها في الشام- خالية من النقد الذي لا يقوم أدب أمة إلا عليه، وإذا ظهر ناقد وكتب عن أديب فإنه يكتسب عداوة هذا الأديب وعداوة أصدقائه. وقلَّ عندنا الأديبُ الذي يفهم النقد على وجهه أو الناقدُ الذي يسوقه على وجهه، في حين أن النقاد في بلاد الغرب هم الذين يرفعون قيمة الكتب بنقدهم، وهم الذين يبنون الأدب الحديث.
وما يقال في الأدب يقال في الدين والعلم ... والخلاصة أننا حيال قضية قد يكون بقاؤها على حالها سبباً في ركود الحركة الأدبية والفكرية في البلاد، فيجب على الكتّاب والمعلمين إصلاحها وتهذيبها، وهي قضية «الخصومة» وما ينشأ عنها من منازعات وسيئات، وقد كان ينشأ عنها تقدم الفكر وظهور الحقيقة وزيادة التآلف لو كانت خصومة موضوعية شريفة.